
كتبت- كريمة حسين
كنوز.نيوز
في زمن تتغير فيه الأولويات ويتسارع فيه إيقاع الحياة، لم تعد الفخامة تُقاس فقط ببريق الذهب ولمعان الألماس، بل باتت تُعرّف من خلال القيم التي تعكسها. من الاستدامة إلى الحرفية المبتكرة، ومن السرد القصصي إلى خيال الطفولة، يرصد مركز “TrendVision Forecasting” – ملامح مستقبل صناعة المجوهرات من خلال تقريره السنوي “Jewellery Trendbook 2026+” ، كاشفًا عن توجهات جديدة تعكس التحولات الاجتماعية والنفسية والبيئية التي يعيشها العالم. حيث يسلط الضوء على مستقبل المجوهرات من حيث التصميم، والمواد، وسلوك المستهلك، واستراتيجيات التسويق.
يأتي هذا المرجع ليوفر أداة تحليلية واستشرافية للمصممين والمصنعين والعلامات التجارية، ويساعدهم على فهم التحولات الجذرية التي سيشهدها القطاع خلال السنوات المقبلة
من بين أبرز القضايا التي يسلط الكتاب الضوء عليها: الاستدامة، والممارسات الأخلاقية، والاحتياجات العاطفية والشخصية للمستهلك، وهي عناصر باتت تشكّل المحرك الأساسي لتوجهات التصميم واستراتيجيات السوق للسنوات المقبلة.
الشفافية والمسؤولية في صميم التوجهات الجديدة:
يركّز التقرير بشكل واضح على أهمية الشفافية في سلاسل التوريد والمصادر الأخلاقية للمواد الخام. فمع تزايد وعي المستهلكين بأهمية المسؤولية الاجتماعية، بات من الضروري للعلامات التجارية أن تعكس في منتجاتها التزامًا حقيقيًا بقيم البيئة والعدالة، ما يعزز من مصداقيتها ويرسّخ مكانتها في سوق أصبحت فيه القضايا الأخلاقية معيارًا رئيسيًا لاتخاذ قرارات الشراء.
استراتيجيات عملية لعالم دائم التغير:

لا يكتفي “Trendbook 2026” بالتحليل النظري، بل يوفر مجموعة من الأدوات العملية التي تُساعد العلامات التجارية على التكيف مع هذه التحولات، من أبرزها:
- اقتراح لوحات لونية تتماشى مع التوجهات النفسية للمستهلكين.
- تقديم نماذج لتصميمات تتوافق مع الحس الإبداعي والتجريبي للمستهلك المعاصر.
- توجيهات تسويقية تركّز على القصص والرواية والقيم، بدلًا من التركيز فقط على المنتج.
- تحليلات حول احتياجات الأجيال الجديدة من المستهلكين، خاصة من الجيلين Y وZ.
- توصيات حول كيفية دمج المواد المستدامة في سلاسل الإنتاج دون التفريط بالجودة أو الفخامة
اتجاهات تصميمات المجوهرات 2026: رؤية مستقبلية ملهمة

يكشف كتاب الاتجاهات لعام 2026 عن خمس رؤى تصميمية رئيسية ستشكّل ملامح القطاع في السنوات القادمة. هذه الاتجاهات لا تعبّر فقط عن ذوق جمالي، بل ترتبط ارتباطًا وثيقًا بتغيّر القيم الثقافية والاجتماعية والتقنية للمستهلكين. إليكم هذه الاتجاهات:
1. الأناقة الانسيابية (Sleek Elegance):
يتجه المصممون نحو اعتماد البساطة الراقية كعنوان للفخامة المعاصرة. تبرز في هذا الاتجاه المجوهرات ذات الخطوط النظيفة، والتفاصيل المكررة بدقة، دون تعقيد بصري. الذهب الأبيض والبلاتين والفضة المصقولة تشكّل لوحة الألوان الأساسية، ما يعكس روحًا عصرية تفضل النقاء على الزخرفة. هذا الاتجاه يتجلى في تصاميم مثل مجموعة T من Tiffany & Co. وClash de Cartier التي تمزج بين الحداثة والانسياب.
2. الفخامة المفرطة (Opulent Extravaganza):
- يعكس هذا الاتجاه شغفًا بالبذخ والتفاصيل الزخرفية الدقيقة. يستخدم المصممون أحجارًا كريمة ضخمة وملونة مثل الزمرد والياقوت والألماس النادر لتكوين مجوهرات تصرخ بالفخامة. أسلوب مستوحى من العصور الملكية القديمة مثل الباروك والآرت ديكو، نرى هذا الاتجاه بوضوح في مجموعات دار Bvlgari الفاخرة وChopard ضمن تشكيلتها للسجادة الحمراء.
3. موضة الشارع (Street Coolness):
تستلهم هذه التوجهات روح الشارع وثقافة الشباب، وتقدم تصاميم تحمل رسائل مباشرة وهوية مرنة. تتسم المجوهرات هنا بالجرأة، وتستخدم عناصر مثل السلاسل الضخمة، الحروف، الرموز، وأشكال غير تقليدية. مجوهرات تعكس الحضور والجرأة الشخصية، وتشبه قطع الموضة اليومية، كما هو الحال في تصاميم Ambush أو مجموعات Louis Vuitton المستوحاة من أسلوب حياة المدينة.
4. الرقمنة الجديدة (Digital Nouveau):
في عصر الذكاء الاصطناعي والميتافيرس، يصبح العالم الرقمي مصدر إلهام بصري لمجموعة متزايدة من المصممين. يقدم هذا الاتجاه مجوهرات مستوحاة من الواقع الافتراضي، بتصاميم هندسية مستقبلية وألوان نيون، مع دمج عناصر تقنية مثل NFTs والواقع المعزز. إنه تعبير عن علاقة الإنسان المعاصر بالتكنولوجيا، كما نراه في مشاريع مثل MEELUX أو نماذج DressX الرقمية.
5. أرض العجائب (Wonderland):
وأخيرًا، ينقلنا هذا الاتجاه إلى عالم من الخيال والمرح والطفولة. تصاميم حالمة، مليئة بالألوان الزاهية، وأشكال غير مألوفة مثل النجوم والقلوب والفراشات. إنها مجوهرات تحتفل بالحرية والإبداع، وتمنح مرتديها تجربة بصرية مبهجة. دار Van Cleef & Arpels تتألق في هذا الاتجاه بتشكيلتها المستوحاة من القصص السحرية، فيما تبرز Dior Joaillerie بجماليات تجمع بين البراءة والأنوثة الطفولية.
الرفاهية الواعية: مجوهرات تروي قصصًا وتحمل قيمًا بيئية
في ظل التغيرات المناخية والوعي البيئي المتزايد، لم يعد الجمال وحده كافيًا لإقناع المستهلك، لقد أصبح المستهلك المعاصر أكثر حساسية تجاه مصادر المواد الخام وكيفية تصنيعها. ولم تعد القيمة محصورة في ندرة الحجر أو المعدن، بل في قصته وتأثيره البيئي والاجتماعي.. فالقيمة أصبحت ترتبط بالخلفية الاجتماعية والبيئية للمادة المستخدمة، وليس بندرتها أو سعرها فقط.
هذا التحول يدفع المصممين إلى استكشاف خامات بديلة وممارسات إنتاج مستدامة. من بين الابتكارات اللافتة: استخدام شعر الخيل المنسوج يدويًا، اعادة تشكيل النفايات الإلكترونية باستخدام تقنيات تقليدية، وتوظيف أنواع الأخشاب مثل خشب الورد والمانجو المستخرجة من مزارع مستدامة. كما دخل الاستانلس ستيل والبلاستيك المعاد تدويره والزجاج المستعاد من الزجاجات إلى عالم الفخامة، متحديين الصور النمطية ومتألقين بألوان حيوية وتفاصيل حالمة.
العودة للطبيعة والجذور: مجوهرات تنبض بالحياة

مع تصاعد الاعتماد على العالم الرقمي والتقنيات الذكية، تبرز حاجة فطرية لدى الإنسان للعودة إلى الجذور، والارتباط مجددًا بالأرض والطبيعة. المجوهرات التي تعتمد على مواد عضوية طبيعية تعكس هذا الاتجاه، حيث لا تكتفي بإبراز الجمال البصري، بل تعبّر عن التزام بيئي وشعور بالانتماء.
الخامات مثل الخشب، العظام، الأحجار المحلية، وحتى الأصداف، تُستخدم لتعزيز هذا الحس الطبيعي، ولربط القطعة بالمكان والتاريخ والهوية الثقافية. هذا الاتجاه لا يُعبّر فقط عن ذوق جمالي، بل عن فلسفة حياتية تُعيد تعريف العلاقة بين الإنسان والبيئة
خامات غير تقليدية… رؤية جديدة للفخامة
من أبرز المواد المستخدمة:
- الجلد: بفضل ملمسه الفاخر ومرونته، يُستخدم في تصميم الأساور والقلائد ليمنح إحساسًا بالأناقة الدافئة.
- البلاستيك المعاد تدويره: يُدمج في تصاميم جريئة وحديثة، متحديًا الصورة النمطية للفخامة.
- الزجاج المعاد تدويره: يتم تحويله إلى قطع شفافة وناعمة تضيف بُعدًا فنيًا مميزًا.
- الراتنج الحيوي: يُستخرج من مصادر طبيعية، ويمنح المصممين حرية واسعة في تشكيل ألوان وأشكال جديدة، ويمكن دمج الزهور أو الأوراق بداخله ليجسّد جمال الطبيعة.
مجوهرات الفانتازيا: الهروب إلى عالم الخيال
“عالم العجائب” “Wonderland”

في عالم تتسارع فيه وتيرة الحياة وتزداد الضغوط النفسية، تبحث المجوهرات عن دور جديد يتجاوز الزينة، لتتحول إلى وسيلة للسعادة.. للهروب، للتعبير، ولخلق لحظات سحرية من الفرح.
في فصل “Wonderland” من The Jewellery Trendbook 2026+، نكتشف كيف تتجه دور المجوهرات العالمية نحو تصميم واقع بديل… أكثر إشراقًا، وجرأة، وخيالًا.
تشير التقارير الحديثة إلى تصاعد مفهوم “اقتصاد الفرح joy Economy ، وهو توجه عالمي تقوده منصات مثل Wunderman Thompson Intelligence، يركّز على تعزيز التفاؤل والارتباط العاطفي.
ومع ازدياد الشعور بالقلق، يلجأ كثيرون – وخاصة جيل Z – إلى “الهروب من الواقع” عبر الفنون والتجارب الحسية، ومنها المجوهرات التي تخاطب الروح قبل العين.
يعتمد هذا التوجه على تصميمات تحتفي بالمرح والتفاؤل، من خلال التعبير الفني الحر، واستخدام الصور والمحتوى الرقمي المفعم بالطاقة، وتوظيف اللعب كقيمة إنسانية مشتركة، ما يجعل المجوهرات ليست مجرد زينة، بل تجربة عاطفية وإبداعية.
هذا الاتجاه الجمالي يمزج بين الواقع والخيال بطريقة سريالية حالمة. الألوان الزاهية المستوحاة من فن البوب، والتفاصيل المرحة كالشخصيات الكارتونية والفقاعات والشفاه، تمنح القطع حيوية وحسًا طفوليًا محببًا. كما تظهر أشكال ثلاثية الأبعاد تشبه المنحوتات، مع استخدام مواد غير تقليدية مثل البلاستيك الشفاف والراتنجات الملونة بالإضافة إلى القطع القابلة للتخصيص وهى مجوهرات تُصمَّم لتعكس الذوق الفردي.
هذا الاتجاه لا يقتصر فقط على تقديم قطع جميلة وفاخرة، بل يُقدّم المجوهرات كوسيلة لتوليد مشاعر إيجابية. الهدف هو:
• نشر الفرح: سواء من خلال الألوان، التصميم، أو الفكرة.
• خلق روابط شخصية: كل قطعة تُصمَّم لتناسب شخصية مرتديها، فتُصبح جزءًا من هويته.
• دمج الفن في الحياة اليومية: إعادة إحياء التراث السريالي بأسلوب معاصر ومتاح.
المجوهرات هنا ليست مجرد أكسسوار، بل قصة تُروى، وعالم خيالي يُعيد إلى الحياة لمسة من البراءة والمتعة، ويمنح مرتديها شعورًا بالخروج من المألوف.
تُظهر هذه التوجهات أن مستقبل المجوهرات الفاخرة يتجه إلى الجمع بين الإبداع والاستدامة، والربط بين العالم المادي والافتراضي، والانحياز لاحتياجات المستهلك الواعي. ولم يعد النجاح مرهونًا بالبريق فقط، بل بالقدرة على رواية قصة، وبناء علاقة عاطفية مع القطعة، والوفاء بقيم الشفافية، والمسؤولية، والخيال.