
كتبت- كريمة حسين
كنوز.نيوز
تحتل جنوب أفريقيا مكانة بارزة على خريطة صناعة المجوهرات العالمية. وذلك بفضل التنوع الطبيعي والثقافي التي تحظى به، حيث منحتها الطبيعة وفرة في الموارد المعدنية، خاصة الذهب والماس التي تم اكتشافها في أواخر القرن التاسع عشر، وكانت مناجمها موردا هاما لخام الماس الذي احتكرته الشركات الإنجليزية في عهد الاحتلال الإنجليزي لجنوب أفريقيا، والتي انتقلت ملكيتها خلال العقود التالية لشركات أخري عالمية.
تطورت صناعة المجوهرات الراقية في جنوب أفريقيا في النصف الثاني من القرن العشرين وبدأ الاهتمام بوضع جنوب أفريقيا على قائمة الدول المصنعة للمجوهرات فبدأن في تأسيس واحد من أهم معارض المجوهرات، مما ساهم في تنمية صناعة المجوهرات التي امتزجت فيها الحِرفية التقليدية بروح الابتكار العصري. ومن قلب هذه الصناعة اللامعة، برز جيل جديد من رواد الأعمال الشباب الذين يحملون شعلة التغيير، ويحوّلون الشغف بالتصميم إلى مشاريع نابضة بالحياة والهوية.
في السنوات الأخيرة، أصبح مجال تصميم وصناعة المجوهرات في جنوب أفريقيا منصة للشباب الطموح الذي يسعى إلى التعبير عن الذات، وخلق فرص عمل، وبناء علامات تجارية تعكس ثقافتهم وتجاربهم. ويشهد هذا القطاع نموًا ملحوظًا، مدعومًا بزيادة الطلب المحلي والدولي، وبدعم من المبادرات الحكومية التي تشجّع على الابتكار وريادة الأعمال.
ومع احتفال البلاد بـما يسمى” شهر الشباب”، يسطع نجم عدد من المصممين الشباب الذين تحدّوا العقبات، واستلهموا من بيئتهم وتجاربهم الشخصية رؤى إبداعية لامعة، ليبرهنوا أن صناعة المجوهرات في جنوب أفريقيا ليست مجرد تجارة، بل مساحة للتعبير والتمكين وبناء المستقبل.
مع اقتراب نهاية “شهر الشباب” في جنوب أفريقيا، والمُمتد حتى السادس من يوليو الجاري، يُثبت الشباب هناك أنه لا يوجد عمر مبكر لبدء مشروع تجاري، حتى وسط التحديات الاقتصادية المتزايدة. فبروح الإصرار والإبداع، يواصل جيل جديد من رواد الأعمال شق طريقهم في مجالات متنوعة، من بينها تصميم وصناعة المجوهرات الراقية.

نوزولو مسيليكو(Noxolo Mselek : من حلم العمارة إلى علامة مجوهرات راقية
من أبرز النماذج الملهمة في جنوب أفريقيا الشابة “نوزولو مسيليكو” (30 عامًا)، مؤسسة علامة Elegânté Jewellery، التي انطلقت من بلدة Elovuالصغيرة في مقاطعة “كوازولو ناتال”. وهي اليوم، توظّف في شركتها ثلاثة صُنّاع مجوهرات، وقد حظيت بتغطية مميزة في مجلة Forbes العالمية.
ورغم أن بدايتها لم تكن مخططًا لها في هذا المجال، إلا أن الإبداع قادها نحو النجاح. تقول نوزولو:
“بعد أن قدمت على تخصص العمارة، اكتشفت أنه لا توجد أماكن متاحة في ذلك القسم. وأمام هذا العائق، بحثت عن الخيارات المتاحة، فعُرض عليّ تخصص تصميم وتصنيع المجوهرات. وبما أنني أعشق التصميم، قلت: لماذا لا أجرّب هذا الطريق؟ كنت أرغب في تجنب عام دراسي ضائع، وشعرت أن هذه الفرصة تتماشى تمامًا مع طموحاتي الإبداعية.”
هذا القرار غير مسار حياتها بالكامل، حيث حصلت على منحة من هيئة مؤهلات التعدين (MQA)، ودرست في مدرسة Il Tari للتصميم في إيطاليا. وهناك تعرّفت على فلسفة الحرفية الأوروبية واحترام الفن، وتقول عن هذه التجربة:
“لقد غيّرت تجربتي في إيطاليا حياتي. هناك، تُعامل المجوهرات كفن محترم. والطريقة التي يقدّرون بها الحِرفية ألهمتني كثيرًا. لقد جعلني ذلك أقع في حب هذا المجال.”
وتؤكد “نوكزولو” أن دخولها عالم المجوهرات كامرأة شابة سوداء لم يكن سهلاً، إذ غالبًا ما يُشكّك الناس في خبرتها حتى تُطلعهم على خلفيتها التعليمية.
“كثيرًا ما يتطلب الأمر جهدًا استثنائيًا، ربما عشرين ضعفًا، لكسب ثقة العملاء. ومع ذلك، نجحنا في تعزيز ظهور علامتنا التجارية من خلال وسائل التواصل الاجتماعي، والمقابلات الإذاعية، والتغطية في المجلات، مما ساعد في توعية الجمهور بما نقدمه.
ورغم تأثرها بالاتجاهات العالمية، تحرص “نوزولو” على الاحتفاظ بهويتها الثقافية. فهي تتعاون حاليًا مع مصممة محلية متخصصة في الخرز، لإنتاج قطع معاصرة باستخدام خرز الكريستال، وتؤمن أن التصميم يجب أن يكون شخصيًا ويتمحور حول العميل.
تحلم نوزولو بأن تلهم قصتها الشباب الآخرين، وتقول: “أريد من الشباب أن يعرفوا أنهم قادرون على النجاح، حتى وإن كان الطريق صعبًا. آمنوا بمهاراتكم واستمروا في التقدم.”
كما تشدّد على أهمية دعم الصناعة المحلية، داعيةً الحكومة إلى إعطاء أولوية للإنتاج المحلي وتصدير المنتجات المصنّعة بدلاً من المواد الخام: “علينا التوقف عن تصدير المواد الخام، وبدلاً من ذلك يجب أن نُصدّر المنتجات المصنّعة. هذا هو السبيل لبناء صناعاتنا وتوفير فرص عمل.”
وتختتم حديثها برسالة مهمة للشباب: “درست أيضًا في جامعة جوهانسبرغ قبل السفر إلى إيطاليا. أنصح الشباب بالبحث عن المنح الدراسية والتقديم في الوقت المناسب، فهذا ما ساعدني على الوصول لما أنا عليه الآن.”
بوكجوني مونياني- Bokgani Monyane: رائدة أعمال في سن السادسة عشر
من رائدات الأعمال المميزات في عالم المجوهرات في جنوب أفريقيا، تبرز “بوكجوني مونياني”، التي لا تزال في السادسة عشرة من عمرها، لكنها تدير مشروعًا ناجحًا لصناعة المجوهرات اليدوية، وأصدرت مؤخرًا كتابًا تروي فيه تجربتها كرائدة أعمال صغيرة.

تستلهم بوكجوني تصاميمها من الحياة اليومية، الألوان، والمشاعر، وتبدع في تصميم القلائد، الأقراط، والحقائب. تقول: “أحيانًا أرسم ما أشعر به، ويتحول التصميم إلى شيء جميل”
وقد ألّفت “بوكجوني” كتابًا عن تجربتها بهدف تحفيز أقرانها، وبيان أن النجاح لا يرتبط بالعمر، بل بالإصرار والشغف. وتقول في هذا الصدد: “العمر لا يهم. يمكنك أن تربح من أفكارك. الظروف لا تعرّفك، بل طموحك هو ما يصنعك”.

وتصف بوكجوني والدتها بأنها شريكتها ومديرتها، وتقول عنها مازحة:
“أمي مثل الكارداشيان! تدعمني في كل خطوة، وتعلّمني أن أعتمد على الله.”
وتتابع: “تعلمت أن أقول لا للأصدقاء لأركّز على ما يهم. لا يمكن النجاح في الامتحانات بالاعتماد على الحماس فقط.”
رغم صغر سنها، لدى “بوكجوني” رؤية واضحة لمستقبلها، حيث تطمح إلى دراسة إدارة الأعمال والفنون لتطوير علامتها التجارية.
وتختتم حديثها برسالة مؤثرة للشباب: “ستواجه صعوبات، وسيتحداك الناس، وستشعر بالتعب، لكن لا تستسلم. سر مع الله، وركز على رؤيتك”.