knouz editor
كتبت- كريمة حسين
تمثل استراتيجية إفريقيا للمعادن الخضراء (AGMS) علامة فارقة في مسار القارة الإفريقية نحو التصنيع المستدام، وأمن الطاقة، والنمو الشامل، والتنمية المستدامة. وتشمل هذه الاستيراتيجية كافة عمليات التعدين وكل أنواع المعادن الخام التي تعد من أهم ثروات القارة السمراء، وتنطبق بنود الاستيراتيجية على المعادن والأحجار الثمينة التي تعد أرض أفريقيا منبعا لها، مثل الذهب والماس والأحجار الكريمة التي تستخدم في صناعة المجوهرات وتعتمد عليها كبريات الشركات العالمية التي تعمل في مجال الذهب والماس وصناعة المجوهرات على مستوى العالم، حيث سيطرت الشركات العالمية لسنوات طويلة على العديد من المناجم في الدول الأفريقية، وتعمدت بعضها إشعال الصراعات المسلح ودعم الحكومات غير الوطنية لاستمرار تسهيل السيطرة على مناجم المعادن والأحجار في أفريقيا، مما أدى إلى انهيار اقتصادات العديد من الدول الأفريقية وانتشار الفقر والمجاعات بين سكانها بالرغم من الثروات الطبيعية التي تمتلكها هذه الشعوب، إلا أنه في السنوات الأخيرة ظهرت الحركات التحررية والانتفاضات الشعبية ضد الشركات الأجنبية، ومع تولي حكومات وطنية كانت أكثر إدراكا لحقوق الشعوب الأفريقية في التمتع بثروات بلادهم والعمل على تعظيم العائد منها بالتصنيع بدلا من تصدير الخام بأسعار زهيد، الأمر الذي أدى لتغيير في هياكل العديد من الشركات العالمية بحيث أصبحت للحكومات الأفريقية الوطنية حصصا عادلة في هذه الشركات تستطيع من خلال عوائدها بناء اقتصاد قوي وتقديم خدمات للشعوب تحفظ لهم كرامتهم وتوفر لهم حياة كريمة عادلة. وقامت العديد من الحكومات بتعديلات جذرية في العقود الموقعة مع الشركات العالمية وفرض قيم مناسبة للضرائب على هذه الأنشطة وكذلك العمل على تنمية صناعة هذه الخامات وتصديرها كصناعات نهائية ذات قيمة مضافة بدلا من تصدير الخام.
فإفريقيا تمتلك حصة كبيرة من معادن العالم الخضراء، منها الليثيوم، الكوبالت، النيكل، العناصر الأرضية النادرة، ومعادن مجموعة البلاتين، ما يجعلها تقف اليوم عند مفترق طرق بين التحول العالمي في الطاقة والتحول الرقمي.
توفر هذه الاستراتيجية خارطة طريق للاستفادة من ثروات إفريقيا المعدنية لتعزيز القيمة المضافة في بلد المصدر، وتحقيق التصنيع الإقليمي، وتعزيز القدرة على مواجهة تغير المناخ.
ومع تسارع العالم نحو تحقيق صفر انبعاثات كربونية، فإن الطلب على معادن إفريقيا الخضراء سيشهد ارتفاعًا كبيرًا.
وتُدرك استراتيجية AGMS أن على إفريقيا التحرر من نموذج تصدير المواد الخام، والعمل على بناء سلاسل قيمة متكاملة وقوية تُعزز التصنيع المحلي، وتُوفر فرص العمل، وتُسهم في تنويع الاقتصاد.
كما تتماشى هذه الاستراتيجية مع رؤية إفريقيا للتعدين (AMV) من خلال الدعوة إلى إدارة عادلة ومستدامة للموارد المعدنية، بما يضمن تحويل الثروات المعدنية إلى تنمية اقتصادية واجتماعية شاملة تخدم شعوب القارة بأكملها.
في مارس 2025، أطلق الاتحاد الإفريقي استراتيجية إفريقيا للمعادن الخضراء (AGMS)، وهو إنجاز كبير تحقق بدعم عدد من المؤسسات الإفريقية التي تسعى لتحقيق العدالة والإنصاف والازدهار لشعوب القارة.
تتمثل رؤية الاستراتيجية في الاستفادة من “سلاسل القيمة للمعادن الخضراء من أجل تصنيع عادل وكهرباء مستدامة، تخلق تقنيات خضراء وتنمية مستدامة، بهدف تحسين جودة حياة شعوب إفريقيا”.
لقد جاءت هذه الاستراتيجية في التوقيت المناسب تمامًا، في ظل تغيّرات جذرية في قواعد التجارة والتعريفات الجمركية على مستوى العالم، إلى جانب تزايد الطلب العالمي على المعادن الخضراء اللازمة للانتقال الطاقي.
فالاتحاد الأوروبي لديه الصفقة الخضراء (Green Deal)، والصين أطلقت مبادرتها الحزام والطريق الأخضر، وحتى الولايات المتحدة لديها نسختها من الصفقة الخضراء.
أما أفريقيا، فتمتلك احتياطيات هائلة من المعادن الحرجة مثل الكوبالت، الليثيوم، البوكسيت، والمنغنيز. ولذلك، فإن AGMS تُعد ردًا إفريقيًا مناسبًا وتوقيته مثالي على السياسات العالمية الأخرى المتعلقة بالمعادن الخضراء.
ومن الجدير بالذكر أن الاستراتيجية تُدرك بشكل واضح أن معظم السياسات العالمية تركز على تأمين الإمداد والشراء من الدول المنتِجة، وهو نهج يتعارض مع أولويات التنمية في إفريقيا، ويُشكل تهديدًا لطموحات القارة في مجال التصنيع.
ركائز الاستراتيجية
ترتكز AGMS على أربعة محاور رئيسية:
1. تطوير التعدين والمعادن
2. بناء القدرات البشرية والتكنولوجية
3. إنشاء سلاسل قيمة رئيسية
4. الإشراف المسؤول على الموارد المعدنية
تهدف هذه المحاور إلى معالجة التحديات المشتركة التي تعيق التصنيع الأخضر في إفريقيا، مثل:
• نقص المهارات في مجالات العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات (STEM)
• ضعف سلاسل القيمة
• القوانين التنظيمية غير الفعالة لقطاع التعدين
• غياب دورة إنتاجية متكاملة ومستدامة في التعدين
تسريع الخروج من فقر الطاقة والاقتصاد
واحدة من أبرز مزايا الاستراتيجية هي تركيزها على دور سلاسل القيمة في تسريع انتقال إفريقيا من الفقر الاقتصادي والطاقي. ويتضمن ذلك تحديد الاستثمارات المطلوبة في:
• شبكات النقل والتوزيع الكهربائية
• المركبات الكهربائية (خاصة الدراجات ذات العجلتين والثلاث عجلات المنتشرة في إفريقيا)
• تطوير الإمكانات الإفريقية في الطاقة المتجددة
فعلى صعيد الطاقة، تسعى الاستراتيجية إلى استغلال:
• 584 غيغاواط من الطاقة الكهرومائية غير المُستغلة
• 7,900 غيغاواط من الطاقة الشمسية الكهروضوئية (Solar PV)
وهي طاقات ضخمة يمكنها أن تُنير مساحات شاسعة من القارة لا تزال حتى الآن تعيش في الظلام.
كيف تصبح الاستراتيجية واقعًا؟
تشكل الاستراتيجية منصة قوية لدفع أجندة التنمية الإفريقية، لكن نجاحها مرهون بتطبيقها الفعلي. وهناك طريقتان لتحقيق ذلك:
أولًا: يجب على إفريقيا إقرار قواعد المنشأ في إطار اتفاقية التجارة الحرة القارية الإفريقية (AfCFTA)، وذلك للمركبات، ومصادر الطاقة النظيفة (مثل الألواح الشمسية، وتوربينات الرياح، والبطاريات)، ومدخلات التعدين.
سيسهم ذلك في:
• تعزيز التجارة داخل إفريقيا
• إزالة العوائق الحدودية
• خلق اقتصادات الحجم اللازمة لمنافسة إفريقيا على المستوى العالمي
ثانيًا: من المهم وضع تعريفة جمركية خارجية موحدة على مستوى القارة لبعض مدخلات ومخرجات المعادن الخضراء.
ستُسهم هذه التعريفة الموحدة في:
• حماية الصناعات الإفريقية الناشئة من المنافسة الخارجية
• زيادة التجارة البينية في المعادن
• تعزيز تصنيع المعادن ومعالجة الخامات
• دعم صناعة مكونات تقنيات الطاقة المتجددة داخل إفريقيا
دعوة للعمل الجماعي
أمام الحكومات الإفريقية، والقطاع الصناعي، ومنظمات المجتمع المدني فرصة حقيقية للمساهمة في تنفيذ هذه الاستراتيجية التحويلية.
وبالعمل المشترك، يمكن ضمان تطبيق فعّال وكامل لهذه الخطة الطموحة.
