مدينة الذهب المفقودة “صعود آتون” تعود للحياة

اكتشاف مدينة لتعدين الذهب.. ثاني أهم اكتشاف بعد مقبرة توت عنخ آمون

أقدم مدينة ذهب في التاريخ.. في حضن منجم السكري جنوب مصر

الآثار المصرية تنتهي من نقل وترميم المدينة تمهيدا لفتحها للزائرين

 في عام ٢٠٢١ كان الاكتشاف العظيم لمدينة صعود آتون حدثا احتفى به العالم ولاقت صدى عالمياً مدوياً، حيث صنفت مجلةarcheology magazine كشف المدينة الذهبية المفقودة بالأقصر بأنها أفضل الاكتشافات الأثرية في العالم لعام 2021، ضمن أهم 10 اكتشافات عالمية، فللمرة الأولى يتم اكتشاف مدينة أو معسكر كامل لتعدين الذهب في جنوب مصر بالقرب من منجم السكري، وكانت محتويات المدينة المعمارية والأثرية مثار ذهول واعجاب علماء الآثار المشاركين في الكشف بقيادة الدكتور زاهي حواس، 

وتعود هذه المدينة إلى فترة الملك أمنحتب الثالث من الأسرة الثامنة عشرة (٣٠٠٠ سنة) وتعد إضافة هامة للسجل الأثري المصري، وتكمن أهمية هذا الكشف الأثري في كشفه للعديد من أوجه الحياة في الحضارة المصرية القديمة وليس مجرد العثور على قطع أثرية قيمة، حيث يعد نافذة جديدة لفهم الحضارة المصرية القديمة وتراثها العريق، ونقطة تحول هامة في مجال دراسة الآثار المصرية، لأنه يعكس حقبة مزدهرة من التاريخ المصري غنية بالثقافة والتقاليد التي كانت سائدة في تلك الفترة.

فالمدينة الذهبية تعكس ثراء الحضارة الفرعونية وتنظيم الدولة والقيام بصناعة متطورة في حينها حيث ضمت المدينة مركزاً إدارياً وصناعياً لتعدين واستخلاص الذهب، بالإضافة إلى منازل للمعيشة ودور عبادة وأماكن دفن، والأكثر أهمية بالنسبة لهذا الموقع هو الجمع ما بين آثار حقب متعددة من التاريخ ما بين المصري القديم والعصر اليوناني الروماني الأمر الذي يدل على استمرار العمل بهذه المنطقة على مدار عصور متتالية، وتشير الأدلة إلى أن المدينة شهدت فترة ازدهار خلال حكم الملك أمنحتب الثالث مما يجعلها وجهة مثيرة للاهتمام لكل من الباحثين والسياح، تحتوي المدينة على أدوات وقطع أثرية تعكس أنماط الحياة اليومية للمصريين القدماء مما يسهل على الزوار التعرف على الثقافة والتقاليد السائدة في تلك الحقبة.

علماء الآثار.. شهادات للتاريخ

كان لتعليق علماء المصريات شهادات تاريخية تؤكد أهمية هذا الكشف الأثري، فقد وصفت عالمة المصريات الأميركية دكتور. بيتسي إم. براين ( مدير برنامج متحف جامعة جونز هوبكنز الأثري وأستاذ دراسات الشرق الأدنى إيميريتا. متخصصة في التاريخ والفن وعلم الآثار في المملكة الحديثة في مصر). هذا الاكتشاف بأنه ثاني أهم اكتشاف أثري منذ اكتشاف مقبرة توت عنخ آمون.

وأوضحت “إن اكتشاف هذه المدينة لم يمنحنا فقط لمحة نادرة عن حياة قدماء المصريين في عصر الإمبراطورية، ولكنه أيضاً سيساعد في إلقاء الضوء على أحد أعظم الألغاز في التاريخ، ولماذا قرر إخناتون ونفرتيتي الانتقال إلى العمارنة”.

البعثة المصرية بقيادة دكتور زاهي حواس

اكتشفت البعثة المصرية، برئاسة الدكتور زاهي حواس، وزير الآثار الأسبق، المدينة المفقودة تحت الرمال والتي كانت تسمى “صعود آتون” والتي يعود تاريخها إلى عهد الملك أمنحتب الثالث، واستمر استخدام المدينة من قبل توت عنخ آمون منذ 3000 عام.

وقال الدكتور زاهي حواس في تصريحات سابقة له: إن العمل بدأ في هذه المنطقة للبحث عن المعبد الجنائزي الخاص بالملك توت عنخ آمون؛ لأنه تم العثور على معبدي كل من “حورمحب” و”آي” من قبل”.

وأكد حواس أن البعثة عثرت على أكبر مدينة على الإطلاق في مصر، والتي أسسها أحد أعظم حكام مصر، وهو الملك أمنحتب الثالث، الملك التاسع من الأسرة الثامنة عشرة، الذي حكم مصر من عام 1391 حتى 1353 ق.م.، وقد شاركه ابنه ووريث العرش المستقبلي أمنحتب الرابع إخناتون، آخر 8 سنوات من عهده.

وبدأت أعمال التنقيب في سبتمبر 2020، وفي غضون أسابيع، بدأت تشكيلات من الطوب اللبن بالظهور في جميع الاتجاهات، وكانت دهشة البعثة الكبيرة، حينما اكتشفت أن الموقع هو مدينة كبيرة في حالة جيدة من الحفظ، بجدران شبه مكتملة، وغرف مليئة بأدوات الحياة اليومية، وقد بقيت الطبقات الأثرية على حالها منذ آلاف السنين، وتركها السكان القدماء كما لو كانت بالأمس.

أكبر مدينة إدارية صناعية

وأضاف حواس أن هذه المدينة هي أكبر مستوطنة أو مدينة إدارية وصناعية في عصر الإمبراطورية المصرية على الضفة الغربية للأقصر، حيث عثر بالمدينة على منازل يصل ارتفاع بعض جدرانها إلى نحو 3 أمتار ومقسمة إلى شوارع، متابعا: لقد كشفنا عن جزء من المدينة يمتد غربا، بينما يعد دير المدينة جزءًا من مدينتنا.

وتم الكشف عن مقبرة كبيرة لم يتم تحديد مداها بعد، واكتشفت البعثة مجموعة من المقابر المنحوتة في الصخور بأحجام مختلفة والتي يمكن الوصول إليها من خلال سلالم منحوتة في الصخر، وهناك سمة مشتركة لبناء المقابر في وادي الملوك ووادي النبلاء. وما زال العمل جاريًا، وتتوقع البعثة الكشف عن مقابر لم تمسها يد مليئة بالكنوز.

إعادة الإحياء: المدينة الخالدة تتزين من جديد

على مدى عامين من العمل الدؤوب انتهت وزارة السياحة والآثار ممثلة في المجلس الأعلى للآثار مع مطلع العام الجاري من أعمال مشروع “إحياء مدينة الذهب القديمة” بجبل السكرى جنوب غرب مدينة مرسى علم بمحافظة البحر الأحمر، بالتعاون مع إدارة منجم السكري، وذلك بعد اتخاذ كافة الإجراءات القانونية والإدارية اللازمة لنقلها وموافقة اللجنة الدائمة للآثار المصرية.

وتضمن المشروع القيام بأعمال الحفر الأثري وتصوير وتوثيق وترميم العناصر المعمارية الأثرية التي تم العثور عليها ونقلها إلى منطقة أخرى آمنة على بعد ثلاثة كيلومتر شمال الموقع القديم وخارج مسار أعمال التعدين الحديثة التي تتم حالياً بمنجم السكرى.

وكان وزير السياحة والآثار المصري السيد شريف فتحي قد أعلن عن انتهاء تطوير المشروع الذي حرصت الوزارة على تنفيذه  في إطار خطتها للحفاظ على آثار وتراث مصر الحضاري بالتوازي مع تنفيذ خطة الدولة المصرية في تنمية المشروعات التنموية والاقتصادية، مؤكدا سعادته بما تم الكشف عنه من آثار توضح أسرار تاريخ هذه المنطقة.

المدينة المتكاملة: تشمل كل مراحل استخلاص وتصنيع الذهب

أوضح الدكتور محمد إسماعيل خالد الأمين العام للمجلس الأعلى للآثار، أن أعمال الحفائر أسفرت عن الكشف عن بقايا معسكر لأعمال التعدين يرجع تاريخه إلى أكثر من ثلاثة آلاف عام، به بقايا مصنع متكامل لاستخلاص الذهب من عروق المرو وتكسير وطحن وسحق حجر الكوارتز مرورا بأحواض التصفية والترسيب حتى مرحلة الصهر في الأفران الفخارية واستخلاص الذهب.

كما تم الكشف عن بقايا عناصر معمارية لمنازل عمال المناجم والورش وأماكن التعدين ودور العبادة والمباني الإدارية والحمامات البطلمية، وبقايا عناصر معمارية من العصور الرومانية والإسلامية، بالإضافة إلى العثور على مجموعة من اللقى الأثرية منها 628 أوستراكا عليها كتابات بالخط الهيروغليفي والديموطيقي واللغة اليونانية، وعدد من العملات البرونزية من العصر البطلمي ومجموعة كبيرة من تماثيل التيراكوتا لأشكال آدمية وحيوانية من العصر اليوناني الروماني وتماثيل حجرية صغيرة الحجم بعضها غير مكتمل ل “باستت” و”حربوقراط” وخمسة موائد قرابين من العصر البطلمي، بالإضافة إلى مجموعة من الأواني الفخارية مختلفة الأحجام والأشكال والاستخدامات فمنها للحياة اليومية والعطور والعقاقير والمباخر فضلا عن مجموعة من الخرز المشغول من الأحجار الكريمة وأدوات الزينة من الأصداف المشغولة.

وأكد الأمين العام للمجلس الأعلى للآثار على أهمية هذا المشروع، بما ساهمه في فهم التقنية التي استخدمها المصري القديم لاستخلاص الذهب من الصخور، وفهم أفضل للحياة المجتمعية والدینیة والاقتصادية لعمال المناجم بالمدن الصناعية بالصحراء الشرقية على مر العصور.

محاكاة المدينة الذهبية على ٦ أفدنة خارج مواقع التعدين الحالية

أكد الأستاذ محمد عبد البديع رئيس قطاع الآثار المصرية بالمجلس الأعلى للآثار أنه في إطار المشروع تم تصوير وتوثيق وترميم العناصر المعمارية الأثرية التي تم العثور عليها ونقلها إلى منطقة أخرى آمنة على بعد ثلاث كيلومتر شمال الموقع القديم وخارج مسار أعمال التعدين الحديثة التي تتم حالياً، كما تم عمل محاكاه لهذا المعسكر على مساحة ست أفدنة، وبناء مركز للزوار به شاشات عرض كبيرة تعرض مراحل أعمال المشروع وصور لما تم اكتشافه من تماثيل وأواني وغيرها من القطع الأثرية بالإضافة إلى مجموعة من اللوحات التعريفية والمعلوماتية عن تاريخ المنطقة.

Related Posts

١٠٪ نسبة  انخفاض انتاج الذهب في غانا خلال النصف الأول من ٢٠٢٥

كنوز.نيوز أعلنت شركة “جولد فيلدز” والتي تعد واحدة من أكبر شركات تعدين الذهب في أفريقيا عن انخفاض في الإنتاج الغاني خلال النصف الأول من عام ٢٠٢٥، بنسبة قدرها ١٠٪ مقارنة بإنتاج نفس الفترة خلال العام الماضي من مناجم تاركوا ودامانغ، حيث بلغ الإنتاج هذا العام ٢٨٤.٦٠٠  أوقية، بينما بلغ الإنتاج خلال نفس الفترة من العام الماضي ٣١٩.٦٠٠ أولية. وأوضحت الشركة في تقريرها خلال الأسبوع الماضي أن منجم تاركوا انخفض…

Read more

Continue reading
ماذا تعرف عن الذهب الفيرميل – Gold Vermeil ؟

كتبت- كريمة حسين  دليلك الشامل لمعرفة جودته عند تسوقك لشراء مجوهراتك المفضلة  في عالم المجوهرات، لا يقتصر البريق على الذهب الخالص وحده. هناك خامات وتقنيات تمنحك المظهر الفاخر والقيمة الجمالية، دون أن تدفع ثمنًا باهظًا. من بين هذه الخيارات يبرز الذهب الفيرميل، الذي أصبح كلمة سر بين عشاق المجوهرات الباحثين عن الجودة والسعر المناسب. ما هو الذهب الفيرميل (Gold Vermeil)؟ الذهب الفيرميل (تُنطق: فير-ماي – أصل الكلمة فرنسي) هو…

Read more

Continue reading

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *