
كتبت- كريمة حسين
دليلك الشامل لمعرفة جودته عند تسوقك لشراء مجوهراتك المفضلة
في عالم المجوهرات، لا يقتصر البريق على الذهب الخالص وحده. هناك خامات وتقنيات تمنحك المظهر الفاخر والقيمة الجمالية، دون أن تدفع ثمنًا باهظًا. من بين هذه الخيارات يبرز الذهب الفيرميل، الذي أصبح كلمة سر بين عشاق المجوهرات الباحثين عن الجودة والسعر المناسب.
ما هو الذهب الفيرميل (Gold Vermeil)؟
الذهب الفيرميل (تُنطق: فير-ماي – أصل الكلمة فرنسي) هو مصطلح معترف به قانونيًا يشير إلى نوع عالي الجودة من المجوهرات المطلية بالذهب. ولكي يُسمح قانونيًا بوصف أي قطعة مجوهرات بأنها “فيرميل” في الولايات المتحدة، يجب أن تستوفي جميع الشروط التالية:
- أن يكون المعدن الأساسي فضة إسترلينية. والفضة الإسترلينية هي سبيكة تحتوي على 92.5٪ فضة نقية و7.5٪ من معادن أخرى، وتُستخدم كخيار قياسي في المجوهرات عالية الجودة (على عكس النحاس أو النحاس الأصفر مثلًا).
- أن تكون طبقة الطلاء الذهبي بعيار لا يقل عن 10 قيراط (أي أن الذهب يحتوي على ما لا يقل عن 41.7٪ ذهب نقي).
- أن يكون سمك الطلاء الذهبي لا يقل عن 2.5 ميكرون. والميكرون يساوي واحدًا على ألف من المليمتر. وهذا يعني تغطية المجوهرات بقشرة من الذهب سميكة وليس مجرد طلاء.
بمعنى آخر، قطع الفيرميل مصنوعة من معادن ثمينة مثل الفضة الإسترلينية، مع طبقة طلاء ذهبي سميك لضمان ارتداء طويل الأمد.
ما الفرق بين الفيرميل والمطلي؟
رغم التشابه في المظهر، يختلف الفيرميل عن الطلاء الذهبي من حيث التركيب والمتانة. فيُصنع الفيرميل من فضة صلبة مطلية بطبقة ذهبية سميكة (حوالي 5 ميكرون من الذهب عيار 18)، ما يمنحه جودة ومقاومة عالية. أما الطلاء الذهبي فيعتمد غالبًا على معادن غير ثمينة مثل النحاس أو البرونز مع طبقة ذهبية أرق (حوالي 3 ميكرون أو أقل).

كما أن الفيرميل أقل تسببًا في الحساسية مقارنة بالطلاء الذهبي، نظرًا لاعتماد قاعدته على الفضة الإسترلينية.
تاريخ وفن صناعة مجوهرات الذهب الفيرميل
تم إنتاج الذهب الفيرميل لأول مرة في فرنسا في منتصف القرن الثامن عشر وكان يُستخدم في صناعة الأواني الفاخرة، أدوات المائدة، والمجوهرات المخصصة للنبلاء وطبقة الملوك. في بداياته، كانت تقنية صناعة الفيرميل تتم من خلال عملية تُعرف باسم التذهيب بالنار (fire gilding). لكن هذه العملية كانت تعتمد على مكوّن أساسي هو الزئبق، وكانت الكمية المطلوبة منه لطلاء المعدن الأساسي تبلغ حوالي ضعف وزن الذهب نفسه، وهذه عملية يتم فيها مزج الذهب مع الزئبق لتكوين معجون يُوضع على سطح الفضة، ثم يُسخّن حتى يتبخر الزئبق ويبقى الذهب ملتصقًا بالسطح. ورغم جمال النتائج، إلا أن هذه الطريقة كانت خطيرة على الحرفيين بسبب الأبخرة السامة. مما جعلها عملية شديدة الخطورة، وغالبًا ما كانت تؤدي إلى العمى أو إصابات خطيرة أخرى. وليس من المستغرب أن الحكومة الفرنسية قامت في النهاية بحظر هذا النوع من التذهيب بالنار.
بعد قرن من ذلك، وفي إنجلترا، تمكن الأخوان جورج وهنري إلكينجتون من تطوير وتسجيل براءة اختراع لطريقة جديدة لطلاء المعادن تُعرف باسم الطلاء الكهربائي (electroplating). تعتمد هذه التقنية الكهروكيميائية على تطبيق شحنات موجبة وسالبة على المعادن، مما يجعلها ترتبط ببعضها بشكل متين. ولحسن الحظ، فإن هذه العملية آمنة تمامًا وخالية من الزئبق.

ومنذ ذلك الحين، استمر استخدام نفس العملية التي ابتكرها الأخوان إلكينغتون حتى يومنا هذا، مع إدخال تعديلات وتحسينات طفيفةعليها. في الوقت الحالي، يترسّب في الطلاء الكهربائي الحديث حوالي 120 طبقة من الذهب على المعدن الأساسي، مما ينتج عنه مجوهرات ذهب فيرميل متينة ومقاومة للتشوه يمكن أن تدوم لعقود إذا ما تم الاعتناء بها بشكل صحيح.
أصل تقنية الفيرميل في الحضارات القديمة

رغم أن قلب الفيرميل ينبض بقوة في فرنسا وانطلق منها في العصور الحديثة، إلا إن جذوره كانت أعمق بكثير، إذ نجد روح هذه التقنية أيضاً في حضارات مختلفة:
- مصر القديمة: استُخدمت الفضة المطلية بالذهب لتكريم الآلهة في المعابد والمقابر.
- الإمبراطورية الرومانية واليونان القديمة: عُرفت تقنيات التذهيب التي جعلت القطع أقرب إلى الذهب الخالص.
- الأديرة التبتية: غُطيت التماثيل المقدسة بالذهب فوق الفضة كنوع من التقديس.
- التقاليد الهندية: كانت الهدايا المصنوعة من الذهب فوق الفضة جزءًا من طقوس الزواج والبركات الاحتفالية لعدة أجيال.
هذه الاستخدامات القديمة جعلت الفيرميل رمزًا للفخامة والهيبة، حيث كان مقتصرًا غالبًا على النبلاء، الملوك، والطبقات العليا .
الذهب الفيرميل في العصر الحديث
خلال العقود الأخيرة، ومع ارتفاع أسعار الذهب، عاد الذهب الفيرميل بقوة إلى الواجهة. حيث لجأ الكثيرون إلى مجوهرات الفيرميل كبديل اقتصادي للذهب الخالص.
يوكمن سحره في جمعه بين مظهر الذهب الفاخر وخصائص الفضة الإسترلينية المتينة والمضادة للحساسية. واليوم، يُحتفى بمجوهرات الفيرميل لمرونتها في التصميم، حيث يستخدمها المصممون في ابتكار كل شيء من القلائد والأساور الرقيقة إلى الخواتم والأقراط.
كما أن الطابع متعدد الاستخدامات للذهب الفيرميل يجعله مناسبًا لمجموعة واسعة من التصاميم، بدءًا من القطع الكلاسيكية الأنيقة وصولًا إلى الأساليب العصرية الجريئة. وهذا التعدد في الإمكانيات ساعده على أن يكون خيارًا شائعًا بين العلامات التجارية للمجوهرات الفاخرة والمصممين العصريين.
رمزية الفيرميل حول العالم
على مر العصور، كان الذهب الفيرميل شاهدًا على لحظات تاريخية وأيقونة للفخامة الملكية، فتألق في كنوز التاج البريطاني، وتلألأ على ميداليات الألعاب الأولمبية، وزيّن أطقم الطعام الفاخرة في البيت الأبيض. حتى اليوم، لا تزال جواهر التاج الفرنسي تضم قطعًا مذهلة مصنوعة من الفيرميل، إرثًا محفوظًا في المتاحف ويُعاد إحياؤه من قبل صاغة المجوهرات المعاصرين.

ويمتاز الفيرميل بقدرته الاستثنائية على الاحتفاظ بلمعانه لفترات طويلة مع حاجة ضئيلة للصيانة، مما يجعله خيارًا مثاليًا للمجوهرات المخصصة للمناسبات الخاصة والهدايا التي تحمل معاني عاطفية عميقة. ولعل رمزيته المرتبطة بالحب والخلود جعلته الخيار الأمثل لذكرى الزواج، حيث يخلّد اللحظات الغالية بجمال لا يبهت مع مرور الوقت.
الذهب الفيرميل كفن وعملية إبداعية
يُعتبر الذهب الفيرميل أكثر من مجرد تقنية طلاء، فهو فن يتطلب مهارة عالية ودقة متناهية. عملية الطلاء الكهربائي أو التذهيب اليدوي كانت ولا تزال تحتاج إلى خبرة لإنتاج قطع متناسقة في اللون واللمعان، ما جعل الفيرميل خيارًا مفضلاً لصناعة المجوهرات المزخرفة والأدوات الفاخرة.
طرق صب وتشكيل مجوهرات الذهب الفيرميل
صناعة مجوهرات الذهب الفيرميل عملية دقيقة تتطلب مزيجًا من الفن والخبرة التقنية، وتشمل:
١. الإعداد (Preparation)
• تبدأ العملية بصنع القاعدة من الفضة الاسترلينية، حيث تُصهر الفضة وتُصب في قوالب حسب التصميم المطلوب.
• بعد التبريد، يتم تنظيف القطعة وصقلها لإزالة أي شوائب أو بروزات، لتصبح مهيأة لتلقي طبقة الذهب.
٢. الطلاء بالذهب (Gold Plating)
• تُغمر القطعة في محلول كيميائي يحتوي على أيونات الذهب.
• يُستخدم تيار كهربائي لنقل جزيئات الذهب إلى سطح الفضة، حتى يكوّن طبقة متينة من الذهب بسمك لا يقل عن 5 ميكرونات (في معايير الفيرميل الأصلية).
٣. التشطيب النهائي (Finishing)
• بعد الطلاء، تُغسل القطعة وتجفف جيدًا.
• يتم فحصها للتأكد من أن الطلاء متجانس وخالٍ من العيوب.
• أحيانًا يُضاف تشطيب لامع أو مطفي (Matte Finish) حسب التصميم المطلوب.
أنواع الفيرميل: 14 قيراط، و18 قيراط


فيرميل 14 قيراط:
فيرميل 14 قيراط هو مجوهرات مطلية بطبقة سميكة من ذهب 14 قيراط فوق فضة إسترلينية.
ذهب 14 قيراط يحتوي على 58.3٪ ذهب نقي و41.7٪ معادن أخرى. يفضّل صانعو المجوهرات استخدام 14 قيراط بدلًا من 24 قيراط (الذهب النقي) لأنه أكثر صلابة وأقل مرونة، كما أن لونه أصفر معتدل يناسب الاستخدام اليومي.
فيرميل 18 قيراط
فيرميل 18 قيراط يعني طلاء الفضة الإسترلينية بطبقة سميكة من ذهب 18 قيراط، الذي يحتوي على 75٪ ذهب نقي و25٪ معادن أخرى. يُختار 18 قيراط لأنه أكثر متانة وأقل برتقاليّة اللون مقارنة بـ 24 قيراط.
خصائص ومتانة مجوهرات الفيرميل
- يتميز الفيرميل بقدرته على الحفاظ على بريقه لفترات طويلة، إلا أن التآكل مع الاستخدام المكثف أمر طبيعي مع مرور الوقت.
- سماكة طبقة الذهب في الفيرميل تمنحه عمرًا أطول مقارنة بالطلاء الذهبي العادي، ومع العناية الجيدة يمكن أن يظل متألقًا لسنوات عديدة.
- قد يتعرض الفيرميل للتأكسد أو تغير اللون (Tarnish) نتيجة التفاعل مع الهواء أو الرطوبة، لكن هذا يحدث بوتيرة أقل بكثير من المعادن الأرخص مثل النحاس.
- يمكن إزالة أي تأكسد بسهولة من خلال التلميع لاستعادة اللمعان الأصلي.
نصائح العناية اليومية
- تجنب ملامسة المجوهرات للكلور أو المواد الكيميائية المنزلية القاسية.
- تنظيف القطع بلطف باستخدام قطعة قماش ناعمة مخصصة للمجوهرات.
- حفظ المجوهرات منفصلة عن القطع الأخرى لتفادي الخدوش أو التصبغات.
- الاهتمام الدوري يحافظ على لمعان وبريق الفيرميل لفترة طويلة.
طرق التنظيف المثالية
- تجنب استخدام معجون الأسنان أو صودا الخبز لأنها قد تسبب خدوشًا.
- استخدم منظف مجوهرات سائل مخصص للذهب لتنظيف لطيف وفعال.
- إذا كانت القطعة تحتوي على تصاميم معقدة، استخدم فرشاة صغيرة مرفقة مع المنظف لتنظيف الأماكن الدقيقة.
- بعد التنظيف، جفف القطع بقطعة قماش ناعمة لتعزيز اللمعان.
باتباع هذه النصائح، ستظل مجوهرات الفيرميل الذهبية براقة وجميلة لسنوات. وإذا أردت أفضل جودة بعد الذهب الخالص وبسعر معقول، فالفيرميل خيار ممتاز. فهو يجمع بين الجاذبية البصرية للذهب والقيمة العالية للفضة، مع متانة جيدة وسعر أقل بكثير من الذهب الصلب.