
إعداد- كريمة حسين
كنوز.نيوز
يُعد فن قطع الأحجار الكريمة، المعروف أيضًا باسم lapidario “اللابيداري”، أحد الفنون التي تطورت عبر آلاف السنين، وقد غيّر هذا الفن الطريقة التي ننظر بها إلى جمال الجواهر الثمينة. فمن التقنيات البدائية مثل الشقّ والطحن، إلى أحدث الابتكارات في العصر الرقمي،
تمثل قصة- قطع الأحجار الكريمة رحلة آسرة من الإبداع والمهارة البشرية. في هذا القسم، نستعرض تطور تقنيات قطع الأحجار الكريمة، مستكشفين الأساليب، والأدوات، والابتكارات التي حولت الأحجار الخام إلى روائع متلألئة مبهرة.

تقنيات قديمة
في العصور القديمة، كان قطع الأحجار الكريمة يختلف تمامًا عما نعرفه اليوم من دقة وتطور تكنولوجي. استخدم الحرفيون في الحضارات القديمة، مثل المصريين، واليونانيين، والرومان، أساليب بسيطة كالشقّ والطحن لتشكيل الأحجار.
كان الشقّ يتم عبر كسر الحجر على طول خطوط انفصاله الطبيعية باستخدام أدوات بدائية مثل الإزميل والمطرقة. أما الطحن، فكان يعتمد على مواد كاشطة مثل الرمل أو مسحوق الصنفرة (السيميرغ).
وقد كانت هذه العمليات محدودة بسبب ضعف الأدوات والمعرفة بخواص الأحجار المعدنية، ما أدى إلى أشكال قطع بسيطة وأقل تعقيدًا مقارنة بالأساليب الحديثة.
بداية الترصيع الهندسي (القطع المُضلّع)
بدأت أولى محاولات قطع الأحجار الكريمة بطريقة هندسية متعددة الزوايا في القرن الرابع عشر الميلادي، وذلك مع اختراع العجلة الأفقية، إلى جانب تطور الفهم العلمي لخصائص الأحجار. وقد مكّنت هذه التطورات الحرفيين من تنفيذ تصاميم هندسية معقدة تعزز من بريق الأحجار ولمعانها.
كانت هذه الثورة بداية لمرحلة جديدة في تاريخ القطع، إذ أصبح بالإمكان إبراز أقصى درجات التألق التي يمكن أن تقدمها الأحجار الكريمة.
تأثير عصر النهضة
شهدت فترة النهضة الأوروبية نهضة حقيقية في فن قطع الأحجار. فقد برع حرفيون إيطاليون مثل Vincenzo Perruzzi و Alessio Mattioli “فينشينزو بيروتزي” و”أليسو ماتّيولي” في تطوير تقنيات الترصيع، مقدمين أنماطًا جديدة مثل “القطع الوردي” و”القطع المسطح” (table cut).
ركّزت هذه التقنيات على إبراز التماثل الهندسي وتفاعل الضوء داخل الحجر، ما زاد من جماله وتألقه.
على سبيل المثال، يمنح القطع الوردي – بفضل تعدد فصوصه المثلثة – الأحجار مظهرًا شبيهًا بزهرة، مما جعلها محط أنظار الطبقات الراقية في تلك الحقبة.
نشأة القطع الدائري البراق
في القرن السابع عشر، تم ابتكار آلة “bruting” (آلة التدوير)، التي مهدت الطريق لابتكار الشكل الدائري المثالي للأحجار – في ابتعاد واضح عن الأشكال المستطيلة أو المربعة السابقة.
ساهمت هذه الآلة، إلى جانب تطوير تقنيات قطع التاج (الجزء العلوي) والجزء السفلي (القاعدة أو pavilion)، في منح الأحجار الكريمة مظهرًا أكثر إشراقًا وتناسقًا.
وقد أرست هذه الابتكارات الأساس لما نعرفه اليوم باسم “القطع البرّاق المستدير”، وهو أحد أكثر أشكال القطع كلاسيكية وانتشارًا بفضل قدرته الفائقة على إبراز اللمعان.
التقنيات الحديثة
شهد القرن العشرون طفرة حقيقية في تكنولوجيا قطع الأحجار. فقد ظهرت مناشير مغطاة بالألماس، وزوايا قطع محسوبة بدقة، وتقنيات تصميم تعتمد على برامج الكمبيوتر CAD)، مما غيّر ملامح الصناعة تمامًا.
سمحت أدوات التصميم بإستخدام الكمبيوتر للمختصين بابتكار تصاميم دقيقة ومخصصة للغاية، مما أتاح تحقيق أعلى قدر من اللمعان وتقليل الفاقد من المواد.
اليوم، يجمع فن قطع الأحجار بين المهارات التقليدية والتكنولوجيا المتطورة، حيث تُستخدم أجهزة ليزر وآلات موجهة بالكمبيوتر لإنتاج أشكال معقدة لم يكن بالإمكان تصورها في الماضي.
صعود القطع الخيالية (Fancy Cuts)
اكتسبت أشكال القطع “الخيالية” شهرة واسعة في السنوات الأخيرة، مثل القطع الزمردي، وقطع البرنسيس، وقطع القلب، وتعكس هذه الأشكال تطور الذوق العام والسعي للتجديد.
فمثلًا، تمنح الزوايا المدرّجة في القطع الزمردي- إميرالد- الأحجار مظهرًا أنيقًا وراقٍ، بينما يعكس القطع القلبي رمزية عاطفية وشكلًا معقدًا يجعله خيارًا شائعًا لخواتم الخطوبة.
كل من هذه الأشكال يمثل لمسة فنية تعبّر عن شخصية مرتديها وتلبي تطلعات السوق المعاصر.
ممارسات أخلاقية ومستدامة في القطع
في عصرنا الحديث، باتت هناك دعوات متزايدة لاعتماد ممارسات أخلاقية ومستدامة في قطع الأحجار الكريمة.
أصبح المستهلكون أكثر وعيًا بمصدر الأحجار وظروف العمل التي تُقطع فيها، ما دفع القطاع نحو التزامات أقوى بالشفافية والعدالة.
وقد بدأت تظهر مبادرات لصالح التجارة العادلة وحماية البيئة، تهدف لضمان أن تكون عملية استخراج وقطع الأحجار متوافقة مع المبادئ الأخلاقية والممارسات المستدامة.
… يتبع